شفافية الإعلام
شفافية الإعلام
بعد نحو عقد من التحضيرات، صادَق البرلمان اللبناني على قانون حق الوصول إلى المعلومات في كانون الثاني/يناير 2017. ويُلزم هذا القانون جميع الهيئات الحكومية بنشر وثائق أساسية تُظهر مؤشرات خاصة بأداء كل مؤسسة رسمية مثل التقرير السنوي والأوامر والقرارات والنفقات. كما يُحدّد القانون مساراً لطلب المعلومات المحدّدة من الحكومة. وعلى الرغم من أن القانون شكّل عموماً خطوة إيجابية نحو تحسين الشفافية والمساءلة العامة، لا يزال الناشطون في المجتمع المدني يواجهون تحدّيات كبيرة لدى طلب المعلومات واستئناف القضايا التي جرى فيها منع الوصول إلى المعلومات.
إيجاد المعلومات الصحيحة
يُمكن العثور على المعلومات الخاصة بأصحاب الشركات الإعلامية وحصصهم في معظم الأوقات في السجل التجاري لوزارة العدل على الموقع التالي http://cr.justice.gov.lb. ويُمكن البحث في الأرشيف الإلكتروني بحسب الاسم الكامل أو الجزئي للشركات أو بحسب رقمها في السجل. إلا أنه ليس من السهل دوماً العثور على أسماء الشركات التي تمتلك وسائل إعلام في السجل. ولدى البحث عن هذه الشركات، يمكن مواجهة صعوبات عدة:
- يحول أي فراغ أو تنقيط بين الكلمات باللغة العربية دون العثور على النتائج. ويجب أن يعرف المستخدم مسبقاً كيفية كتابة الاسم بدقة.
- يُذكر أن بعض الشركات أسماؤها مسجَّلة بالأحرف اللاتينية والبعض الآخر بالأحرف العربية، حتى عندما يكون الاسم أجنبياً. وبصورة مقابلة، يمكن العثور على الأسماء العربية لبعض الشركات فقط من خلال طباعة الاسم بالفرنسية أو الإنكليزية.
- تُؤدّي إضافة الهمزة إلى حرف الألف باللغة العربية إلى تغيير النتائج. مثلًا لا يؤدي البحث عن (إذاعة) و(اذاعة) إلى النتيجة نفسها.
- يصعب تكهّن طريقة كتابة بعض الأسماء الإنكليزية أو الفرنسية باللغة العربية. على سبيل المثال، تُكتب كلمة Holding، بطريقتين "هولدينغ" "وهولدنغ" ما يؤدي في كل حالة إلى نتائج مختلفة.
ما إن يتم العثور على الأسماء وتفاصيل التسجيل الصحيحة، لا يكون من الممكن التأكيد على تاريخ الوثيقة المعروضة لأن الصفحة الإلكترونية للسجل التجاري لا تخضع للتحديث الدوري.
يتمثّل الخيار الآخر بطلب الحصول على نسخ مطبوعة من الشهادة التجارية من السجل التجاري من خلال المحامي. وفي حين أن الرسم الرسمي لكل ملف معقول (6,000 ليرة لبنانية أو 4 دولارات أميركية)، جرت العادة أن يُدفع مبلغ إضافي لتسريع المعاملة. وحتى عندما يجري الاستحصال على الوثائق، لا تكون خالية من الأخطاء دوماً. وقد تكون متقادمة (مثل الشهادة التجارية لـ"تلفزيون لبنان") أو تتضمّن خطأً في المعلومات (مثلًا، تذكر شهادة التسجيل الخاصة بالشركة العامة للصحافة والنشر ش.م.ل التي تملك صحيفة "لوريان لو جور"، أن العدد الإجمالي لأسهم الشركة يبلغ 175,000,000 سهم في حين الرقم الصحيح الذي أكده المدير التنفيذي للشركة هو 17,500,000 سهم).
لا تُتيح خيارات البحث في السجل التجاري، الإلكترونية منها أو المادية، إدخال اسم فرد محدّد، ما يصعّب بشكل كبير تعقّب المصالح الخاصة بفرد ما في أكثر من شركة واحدة.
مُعدّل تجاوب شبه معدوم مع الطلبات
كان مُعدّل الردّ على الاستبيانات المرسلة عبر البريد الإلكتروني إلى الشركات والوسائل الإعلامية منخفضاً جداً. لم ترد سوى 11 وسيلة إعلامية من أصل 37: ثلاث محطات تلفزيونية ("المنار"، "الجديد"، "تلفزيون لبنان") وثلاث إذاعات ("إذاعة الفجر" و"صوت لبنان 93.3" و"صوت لبنان 100.5")، وثلاثة مواقع إلكترونية ("درج" و"ليبانون ديبايت" و"ميغافون")، وصحيفان ("لوريان لوجور"، "اللواء").
لم يتقدّم فريق MOM بأي طلب رسمي بناءً على قانون الحق بالوصول إلى المعلومات 2017، بسبب غياب الآلية الرسمية الوضاحة للقيام بذلك، ولأن المعلومات ستصدر عن السجل التجاري الذي يقدّم خدمة الوصول إلى المعلومات عبر موقعه الإلكتروني.
شفافية الملكية
يتوجّب على الشركات اللبنانية أن تُسجّل محاضر اجتماعاتها في السجل التجاري. وهذا شرط إلزامي بالنسبة إلى اجتماعات الموافقة على الحسابات السنوية أو زيادة رأس المال أو خفضه. وبالتالي، عندما تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة من جانب شركة، يُطرح ملفّها في الشركة علنياً من خلال السجل التجاري. وتُغرّم الشركات التي لا تُسجّل محاضرها عن كل شهر و/أو سنة تأخير من جانب وزارة المال والسجل التجاري المرتبط بوزارة العدل. في المقابل، عندما يتعلّق الأمر بنقل الأسهم، أي انضمام عضو جديد، لا يكون التسجيل إلزامياً على الفور. وبناءً عليه، قد تبقى التغييرات الحاصلة على مستوى الشركاء والمساهمين خفيّة. ولا تُغرّم الشركات في حال عدم تسجيل تغيير حاصل في إدارة الشركة (المدير أو مجلس الإدارة أو الرئيس). إلا أنه لا يمكن لشركة متابعة أي إجراء آخر يتطلّب التسجيل قبل تسجيل محضر الاجتماع الذي تخلّله التغيير الإداري.
تعود ملكية كل من صحيفتَي "الأخبار" و"الجمهورية" وإذاعة "صوت المدى" و"المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناسيونال" إلى أفراد وشركات، غالبًا ما يملكها الأفراد أنفسهم الذين يملكون أسهماً في الوسائل الإعلامية.
في حالة تلفزيونَي "المستقبل" و"الجديد"، يعمل بعض المساهمين في الواقع في شركات أخرى تملكها العائلتان المالكتان الأساسيتان للمؤسستَين الإعلاميَّتين، أي عائلتا الحريري وخياط على التوالي.
إن حَمَلَة الأسهم في صحيفة "البناء" وإذاعة "لبنان الحر" و"صوت لبنان 100.5" و"النور" وتلفزيون "المنار" هم مسؤولون رفيعو المستوى في الأحزاب السياسية المالكة لهذه المؤسسات الإعلامية: الحزب "السوري القومي الاجتماعي" و"القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب" و"حزب الله". في الواقع، يعمل المساهمون في هذه الحالات كوكلاء ينوبون على الحزب الذي ينتمون إليه.
نُشير إلى أن ملكية محطّتَي NBN وOTV وإذاعة "صوت المدى" تعود أيضاً إلى أعضاء بارزين في حزبين سياسيين، لكن في هذه الحالات هم لا يعملون نيابة عن الحزب. ويكون المساهمون إما شركاء للزعماء الحزبيين في مجال الأعمال أو أعضاء ميسورين في الحزب يستخدمون مواردهم لدعم استراتيجية التواصل الخاصة بالمجموعات السياسية التي ينتمون إليها، وهي متمثلة على التوالي بحركة "أمل" والتيار "الوطني الحر".
تشارك عائلة الحريري في وسائل إعلامية عدة من خلال نماذج ملكية مختلفة. فهي تمتلك بصورة مباشرة تلفزيون "المستقبل" وصحيفة "المستقبل"، وهي مرتبطة بصورة غير مباشرة بصحيفة "النهار" و"إذاعة الشرق" من خلال شركات تملكها العائلة، وهي على التوالي شركة المال للاستثمار و"وايف هولدينغ". ويُشكّل ارتباط العائلة بصحيفة "ذا دايلي ستار" حالة خاصة. إذ تعود الملكية الرسمية للصحيفة إلى شركة D.S Holding المملوكة من شركة الوسط القابضة، وهي شركة متفرعة عن شركة Millennium Development SAL، التي تملكها شركة Millennium Development International المسجّلة في جزر كايمان، ما منعَنا من تفصيل هيكلية الملكية الخاصة بها. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن شركة Millennium Development SAL قد أسّستها شركة Millennium Development Holding SAL، المملوكة من جانب عائلة الحريري.
وفي حين أن أسماء المساهمين في محطة MTV متوفرة، إلا أن ذلك لا ينطبق على الحصص التي يملكها كل من هؤلاء المساهمين الخمسة. وينسحب ذلك على المساهمين في "المجموعة اللبنانية للإعلام ش.م.ل" التابعة لـ"حزب الله".
تتمتّع محطة OTV بهيكلية ملكية ملفتة للنظر. فهي تبث بموجب ترخيص ممنوح لشركة "اللبنانية للإعلام ش.م.ل" التي تملكها عائلة الرئيس ميشال عون وبعض الأعضاء البارزين في التيار "الوطني الحر". إلا أن الشق المالي والإعلانات تديرها شركة OTV Holding المطروحة جزئياً للاكتتاب العام، فيما تعود ملكية الأسهم الأخرى إلى عائلة الرئيس عون وأعضاء بارزين في التيار "الوطني الحر". ولم يمكن التوصّل إلى لائحة أسماء حَمَلَة الأسهم المطروحة للتداول العام.
نُشير إلى أن مواقع إلكترونية عدة غير مسجّلة ككيانات قانونية منفصلة، وهي تخضع للإدارة المباشرة للأحزاب أو الأفراد أو الجمعيات التي أسّستها. وينطبق ذلك على موقع Tayyar.org (التيار "الوطني الحر")، وموقع "القوات اللبنانية"، وموقع "ليبانون ديبايت" (ميشال قنبور) وموقع "يا صور" (مجموعة يا صور الإعلامية والاجتماعية).
الشفافية المالية
يُلزم قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم 382 لسنة 1994 شركات البثّ والإرسال (التلفزيونات والإذاعات) بتقديم حساباتها المالية إلى وزارة الإعلام كل ستة أشهر. ولا تتضمّن هذه الحسابات سوى المبالغ أو العائدات الناتجة من أنشطة الشركة الإعلامية. إلا أنه خلال الدراسة، لم تصلنا أي بيانات مالية بشأن أي وسيلة إعلامية بشأن مصادر التمويل أو المردود.
سلّطت دراسات عدة الضوء على الوضع المالي الصعب لوسائل الإعلام اللبنانية ما يتجلّى في قيام الكثير من الوسائل مؤخرًا إما بإغلاق أبوابها أو تسريح الموظفين. وخلال السنوات الخمس الماضية، جرى إقفال وسائل الإعلام التالية: صحف "البيرق" و"السفير" و"البلد" و"الاتحاد" و"الأنوار"، ومجلات "Monday Morning" و"La Revue du Liban" و"الصياد" علي سبيل المثال لا الحصر.
في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن وسائل إعلامية عدة مرتبطة بشركات أكبر تتوسّع أو تعمل في قطاعات لم تواجه الأزمة نفسها، ما يفيد بحصول نوع من الدعم العابر للقطاعات داخل تجمّع واحد، من قطاعات أعمال أكثر ربحية إلى الشركات الإعلامية المتأزّمة.
ينعكس غياب الشفافية في تمويل الأحزاب السياسية على القطاع الإعلامي أيضاً، فيكون من المستحيل تأكيد مصادر تمويل الوسائل التي تملكها الأحزاب السياسية باستثناء تلفزيون "المنار" وإذاعة "النور". فقد قال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، في تصريح علني في 24 حزيران/يونيو 2016 "نحن لا يوجد عندنا مشاريع تجارية ولا عندنا مؤسسات استثمارية تعمل من خلال البنوك، (...) نحن على راس السطح، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران". لكن حتى عندما يكون مصدر التمويل واضحاً، تبقى الأرقام المحدّدة مخفيّة.